لماذا شرع الإسلام الطلاق ؟؟
يأخذ الكثير من
الغربيين على الإسلام أنه أباح الطلاق ، ويعتبرون ذلك دليلاً على استهانة الإسلام
بقدر المرأة ، وبقدسية الزواج ، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين الذين تثقفوا بالثقافات
الغربية ، وجهلوا أحكام شريعتهم ، مع أن الإسلام ، لم يكن أول من شرع الطلاق ، فقد
جاءت به الشريعة اليهودية من قبل ، وعرفه العالم قديماً.
وقد نظر هؤلاء
العائبون إلى الأمر من زاوية واحدة فقط ، هي تضرر المرأة به ، ولم ينظروا إلى
الموضوع من جميع جوانبه ، وحَكّموا في رأيهم فيه العاطفة غير الواعية ، وغير
المدركة للحكمة منه ولأسبابه ودواعيه.
إن الإسلام يفترض أولاً ، أن يكون عقد
الزواج دائماً ، وأن تستمر الزوجية قائمة بين الزوجين ، حتى يفرق الموت بينهما ،
ولذلك لا يجوز في الإسلام تأقيت عقد الزواج بوقت معين.
غير أن الإسلام وهو
يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبداً يعلم أنه إنما يشرع لأناس يعيشون على الأرض ، لهم
خصائصهم ، وطباعهم البشرية ، لذا شرع لهم كيفية الخلاص من هذا العقد ، إذا تعثر
العيش ، وضاقت السبل ، وفشلت الوسائل للإصلاح ، وهو في هذا واقعي كل الواقعية ،
ومنصف كل الإنصاف لكل من الرجل والمرأة.
فكثيراً ما يحدث بين الزوجين من
الأسباب والدواعي ، ما يجعل الطلاق ضرورة لازمة ، ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ،
والاستقرار العائلي والاجتماعي لكل منهما ، فقد يتزوج الرجل والمرأة ، ثم يتبين أن
بينهما تبايناً في الأخلاق ، وتنافراً في الطباع ، فيرى كل من الزوجين نفسه غريباً
عن الآخر ، نافراً منه ، وقد يطّلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما لا يحب ، ولا
يرضى من سلوك شخصي ، أو عيب خفي ، وقد يظهر أن المرأة عقيم لا يتحقق معها أسمى
مقاصد الزواج ، وهو لا يرغب التعدد ، أولا يستطيعه ، إلى غير ذلك من الأسباب
والدواعي ، التي لا تتوفر معها المحبة بين الزوجين ولا يتحقق معها التعاون على شؤون
الحياة ، والقيام بحقوق الزوجية كما أمر الله ،
فيكون الطلاق لذلك أمراً لا
بد منه للخلاص من رابطة الزواج التي أصبحت لا تحقق المقصود منها ، والتي لو ألزم
الزوجان بالبقاء عليها ، لأكلت الضغينة قلبيهما ، ولكاد كل منهما لصاحبه ، وسعى
للخلاص منه بما يتهيأ له من وسائل ، وقد يكون ذلك سبباً في انحراف كل منهما ،
ومنفذاً لكثير من الشرور والآثام،
لهذا شُرع الطلاق وسيلة للقضاء على تلك
المفاسد ، وللتخلص من تلك الشرور ، وليستبدل كل منهما بزوجه زوجاً آخر ، قد يجد معه
ما افتقده مع الأول ، فيتحقق قول الله تعالى: ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته ،
وكان الله واسعاً حكيماً ).
وهذا هو الحل لتلك المشكلات المستحكمة
المتفق مع منطق العقل والضرورة ، وطبائع البشر وظروف الحياة.
ولا بأس أن
نورد ما قاله ( بيتام ) رجل القانون الإنجليزي ، لندلل للاهثين خلف الحضارة الغربية
ونظمها أن ما يستحسنونه من تلك الحضارة ، يستقبحه أبناؤها العالمون بخفاياها ،
والذين يعشون نتائجها.
_________________